من الالطاف الهية على المسلمين حين نزل الجيشان في وادي بدر وكانت الكفتان غير متكافئتين عدداً وعدة . وكان عدد المشركين ثلاثة أضعاف عدد المسلمين .
أولاً : إرسال الملائكة :-
لما بلغ المسلمين كثرة المشركين استغاثوا وتضرعوا إلى الله .ولما نظر النبي (ص) إلى كثرة عدد المشركين وقلة عدد المسلمين استقبل القبلة وقال (اللهم أنجز لي ما وعدتني .اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض ) فانزل الله تعالى )إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم انى ممدكم بألف من الملائكة مردفين . وما جعله الله ألا بشرى ولتطمئن به قلوبكم وما النصر الا من عند الله ( الإمداد بالملائكة كان غرضه تطمين نفوس المسلمين. وتثبيت قلوبهم قال في الميزان: ان الملائكة لم ينزلوا ليقتلوا المشركين ولا قتلوا منهم أحداً فقد قتل ثلث المقتولين منهم او النصف علي (ع) والثلثين الباقيين او النصف سائر المسلمين وإنما كان للملائكة تكثير سواد المسلمين حينما اختلطوا بالقوم وتثبيت قلوب المسلمين وإلقاء الرعب في قلوب المشركين)
ثانياً : إلقاء النعاس:-
بعد أن أصابهم الخوف والفزع فلابد لهم من أمر يهدا أعصابهم ويريح بالهم . ويبدد عنهم وساوس الشيطان .وحتى لا يفكروا في قوة العدو وضعفهم فألقى الله عليهم النعاس لان الإنسان لا يمكن أن يأخذه النوم في حالة الخوف.
قال في الميزان :أن النصر والإمداد بالبشرى واطمئنان القلوب كان في وقت يأخذ النعاس للأمن الذي أفاضه الله في قلوبكم ولو كنتم خائفين مرتاعين لم يأخذكم نعاس ولا نوم)وقد ذكر الله ذلك في ) إذ يغشيكم النعاس أمنة منه (
ثالثاً : إرسال المطر :-
بعد أن نزل المسلمون جانب الوادي مما يلي المدينة حيث لا ماء والأرض رخوة لا تستقر عليها القدم. واصبحوا محدثين ومجنبين. وقد أصابهم الظمأ. حينها بدء الشيطان يوسوس في نفوسهم. فقال إن عدوكم قد سبقكم إلى الماء. وأنتم لا ماء عندكم وتصلون بالجنابة والحدث وتسوخ أقدامكم في الرمل . فجاءت عناية الله . لكي تذهب وسوسة الشيطان وليربط على قلوب المؤمنين . وجاء المطر ليلاً حتى اغتسلوا به من الجنابة وتظهروا به من الحدث وتلبدت به أرضهم واو حلت ارض عدوهم . وذلك في قوله تعالى ) وينزل عليكم من السماء ماء ليطهر كم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام (.
رابعاً : قذف الرعب في قلوب المشركين:-
ألقى الله الرعب والخوف في قلوب المشركين فخارت قواهم وضعفه أبدانهم عن ملاقاة المسلمين. وقوة الإنسان مرتبطة بقوة قلبه. فإذا بدء الضعف يدخل إلى القلب ليسرى إلى البدن وهذا ما حدث للمشركين في يوم بدر يقول سبحانه )إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين أمنوا سألقى في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان (
قال في الميزان: وأما قوله ) فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان ( فالظاهر المراد بفوق الأعناق الرؤوس وبكل بنان جميع الأطراف من اليدين والرجلين أو أصابع الأيدي لئلا يطيقوا حمل السلاح بها والقبض عليها.
ومن الجائز أن يكون الخطاب بقولة )فاضربوا( للملائكة كما هو المتسابق للذهن والمراد بضرب فوق الأعناق وكل بنان ظاهر معناه .أو الكناية عن إذلالهم وإبطال قوة الإمساك من أيديهم بالإرعاب . وان يكون الخطاب للمؤمنين والمراد به تشجيعهم على عدوهم بتثبيت أقدامهم والربط على قلوبهم . وحثهم وإغراؤهم بالمشركين )
خامساً : رؤية النبي العدو قيل في المنام:-
قال في الميزان: الآية تدل على أن الله سبحانه أرى نبيه (ص) رؤيا مبشرة رأى فيها ما وعده الله من إحدى الطائفتين أنها لهم وقد أراهم قليلاً لا يعبأ بشأنهم وأن النبي (ًص) ذكر ما رأه للمؤمنين ووعدهم وعد تبشير فعزموا على لقائهم والدليل على ذلك قوله ) ولو أراكهم كثيراً لفشلتم ولتنازعتم (.
سادساً : رؤية كل طرف في نظر الآخر قليل :-
إن الله عز وجل أرى كل فريق للآخر قليل في بدء الحرب أما بالنسبة للمسلمين حتى لا يهابوا ولا يدخلهم الخوف من عدوهم وتقوى عزائمهم على دخول القتال مع العدو وأما بالنسبة للمشركين . حتى يرغبوا في قتال المسلمين . لقلة عددهم . ويعتقدوا أن النصر حليفهم ويخوضوا القتال .
قال في الميزان: ) وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلاً ويقللكم في أعينهم ( ولا تنافي بين هذه الآية.
وقوله تعالى ) قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله واخرى كافرة يرونهم مثليهم رأي العين والله يؤيد بنصره من يشاء (.
وذلك أن التقليل الذي يشير إليه في الآية) إذ يريكموهم إذ التقيتم( مقيد بقوله )إذ التقيتم( وبذلك يرتفع التنافي كأن الله سبحانه أرى المؤمنين قليلاً في أعين المشركين في بادئ الالتقاء ليستحقروا جمعهم ويتشجعوا على القتال والنزال حتى إذا زحفوا واختلطوا كثر الله المسلمين في اعينهم فرأوهم مثليهم رأي العين فأوهن بذلك عزمهم وأخاف قلوبهم فكانت الهزيمة فالآية ) إذ يريكموهم اذ التقيتم ( تشير إلى أول الواقعة والآية ) قد كان لكم آيه في فئتين ( إلى ما بعد الزحف والاختلاط.
سابعاً : رؤية المشركين كثرة المسلمين :-
في بدء المعركة كان كل فريق يرى الآخر قليل . وما أن بدأ الجيشان يختلطان مع بعضهم البعض وإذا بالمشركين يرون أن عدد جيش المسلمين يتكاثر وهذا أمر غيبي من الله عز وجل ولهذا السبب بدء جيش المشركين يتزعزع وتهبط تلك المعنويات العالية ويتقهقر ذلك الجيش. ويمنى بهزيمة نكراء . من القتل والأسرى .
وذلك في قوله تعالى ) قد كان لكم آيه في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأي العين (.
بهذه الألطاف والعنايات الذي أنزلها الله على المسلمين شد بها أصرهم وقوى من عزيمتهم وبعث فيهم روح الشجاعة والإقدام. في ميدان الحرب. بعد أن كانوا خائفين من عدوهم. أصبح العدو هو الخائف خائر العزيمة. وانتصر المسلمون بتأييد الله وإمدادهم بالعنايات الغيبية. ) والله يؤيد بنصره من يشاء(